سورة الحجرات - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


قوله تعالى: {يا أيُّها النَّاس إِنّا خلقناكم من ذكر وأنثى} في سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: نزلت في ثابت بن قيس وقولِه في الرجل الذي لم يفسح له: أنت ابن فلانة، وقد ذكرناه عن ابن عباس في قوله: {لا يسخرْ قومٌ من قوم} [الحجرات: 11].
والثاني: أنه لمّا كان يوم الفتح أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فصَعِد على ظهر الكعبة فأذَّن، وأراد أن يُذِلَّ المشركين بذلك، فلما أذَّن قال عتاب بن أَسِيد: الحمدُ لله الذي قبض أسيداً قبل اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسودِ مؤذِّناً؟! وقال سهيل بن عمرو: إن يَكْرَهِ اللهُ شيئاً يغيِّره. وقال أبو سفيان: أمّا أنا فلا أقول شيئاً، فإنِّي إن قُلتُ شيئاً لَتْشْهَدَنَّ عليَّ السماءُ، ولَتُخْبِرَنَّ عنِّي الأرض، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
والثالث: أن عبداً أسود مرض فعاده رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قُبض فتولَّى غسله وتكفينه ودفنه، فأثَّر ذلك عند الصحابة، فنزلت هذه الآية، قاله يزيد بن شجرة. فأمّا المراد بالذَّكَر والأُنثى، فآدم وحوَّاء. والمعنى: إِنكم تتساوَوْن في النسب؛ وهذا زجر عن التفاخر بالأنساب. فأمّا الشُّعوب، فهي جمع شَعب. وهو الحيُّ العظيم، مثل مضر وربيعة، والقبائل دونها، كبَكر من ربيعة، وتميم من مضر، هذا قول الجمهور من المفسرين وأهل اللغة. وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد بالشعوب: الموالي، وبالقبائل: العرب. وقال أبو رزين: الشعوب أهل الجبال الذين لا يَعْتَزُون لأحد، والقبائل: قبائل العرب. وقال أبو سليمان الدمشقي: وقد قيل: إِن القبائل هي الأصول، والشُّعوب هي البُطون التي تتشعَّب منها، وهذا ضد القول الأول.
قوله تعالى: {لِتَعارفوا} أي: ليَعْرِفَ بعضُكم بعضاً في قُرب النسب وبُعده. قال الزجاج: المعنى جعلْناكم كذلك لتَعارفوا، لا لتَفاخروا. ثم أعلمهم أن أرفعهم عنده منزلةً أتقاهم. وقرأ أًبيُّ بن كعب. وابن عباس، والضحاك، وابن يعمر، وأبان عن عاصم: {لِتَعْرِفوا} بإسكان العين وكسر الراء من غير ألف. وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل، وابن محيصن: {لِتَّعارَفوا} بتاء واحدة مشددة وبألف مفتوحة الراء مخففة. وقرأ أبو نهيك، والأعمش: {لِتتعرَّفوا} بتاءين مفتوحة الراء وبتشديدها من غيرَ ألف.
قوله تعالى: {إِنَّ أكرمكم} وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمي، ومجاهد، وأبو الجوزاء: {أنَّ} بفتح الهمزة قال الفراء: من فتح {أنَّ} فكأنه قال: لتعارفوا أنَّ الكريمَ التَّقيُّ ولو كان كذلك لكانت {لِتَعْرِفوا}، غير أنه يجوز {لِتَعارفوا} على معنى: ليعرِّف بعضُكم بعضاً أن أكرمكم عند الله أتقاكم.


قوله تعالى: {قالت الأعراب آمَنّا} قال مجاهد: نزلت في أعراب بني أسد ابن خزيمة. ووصف غيره حالهم، فقال: قَدِموا المدينةَ في سنة مُجْدِبة، فأظهروا الإِسلام ولم يكونوا مؤمنين، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلَوا أسعارهم، وكانوا يُمنُّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أتيناك بالأثقال والعيال، ولَمْ نُقاتِلْك، فنزلت فيهم هذه الآية. وقال السدي: نزلت في أعراب مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الفتح وكانوا يقولون: آمنا بالله ليأمنوا على أنفُسهم، فلما استُنفروا إِلى الحديبية تخلَّفوا، فنزلت فيهم هذه الآية. وقال مقاتل: كانت منازلهم بين مكة والمدينة، فكانوا إِذا مرَّت بهم سريَّة من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا، ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، فلمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى الحديبية استنفرهم فلم يَنْفِروا معه.
قوله تعالى: {قُلْ لَمْ تؤْمِنوا} أي: لَمْ تصدّقوا {ولكن قولوا أسلمنا} قال ابن قتيبة: أي اسْتَسلمنا من خوف السيف، وانْقَدْنا. قال الزجاج: الإِسلام: إِظهار الخُضوع والقَبول لِما أتى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يُحْقَن الدَّم. فإن كان معه اعتقاد وتصديق بالقلب، فذلك الإِيمان، فأخْرَجَ اللهُ هؤلاء من الإِيمان بقوله: {ولمّا يَدْخُل الإِيمانُ في قُلوبكم} أي: لَمْ تُصَدِّقوا، إِنما أسلمتم تعوُّذاً من القتل. وقال مقاتل: {ولمّا} بمعنى ولم يدخُل التصديقُ في قلوبكم.
قوله تعالى: {وإِن تُطيعوا اللهَ ورسولَه} قال ابن عباس: إِن تُخْلِصوا الإِيمان {لا يألِتْكُم} قرأ أبو عمرو: {يَألِتْكُم} بألف وهمز؛ وروي عنه بألف ساكنة مع ترك الهمزة: وقرأ الباقون: {يَلِتْكُم} بغير ألف ولا همز. فقراءة أبي عمرو من ألَتَ يألِتُ. وقراءة الباقين من لاتَ يَلِيتُ، قال الفراء: وهما لغتان، قال الزجاج: معناهما واحد. والمعنى: لا يَنْقُصكم وقال أبو عبيدة: فيها ثلاث لغات: ألَتَ يألِتُ، تقديرها: أفَكَ يأفِكُ، وألاتَ يُلِيتُ تقديرها: أقال يُقِيلُ، ولاتَ يَلِيتُ، قال رؤبة:
وليلةٍ ذاتِ نَدىً سَرَيْتُ *** ولم يَلِتْنِي عن سُراها لَيْتُ
قوله تعالى: {مِنْ أعمالكم} أي: من ثوابها. ثم نعت الصادقين في إِيمانهم بالآية التي تلي هذه. ومعنى: {يَرتابوا} يَشُكُّوا. وإِنما ذكر الجهاد، لأن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فرضاً في ذلك الوقت، {أولئك هم الصادقون} في إِيمانهم، فلمّا نزلت هاتان الآيتان أتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يحلفون أنهم مؤمنون صادقون فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {قُلْ أتُعَلِّمون اللهَ بدينكم} وعلَّم، بمعنى أعلم، ولذلك دخلت الباء في قوله: {بدينكم} والمعنى: أتُخبرون اللهَ بالدِّين الذي أنتم عليه؟!، أي: هو عالِمٌ بذلك لا يحتاج إِلى أخباركم؛ وفيهم نزل قوله تعالى: {يَمُنُّون عليك أن أَسْلموا} قالوا: أَسْلَمْنا ولم نُقاتِلْكَ، والله أعلم.

1 | 2 | 3